تبدّلت معالم الموضة في السنوات الأخيرة، مع التطوّر الذي طرأ على العالم أجمع، لا سيّما مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ، إذْ بات كلّ ما يتعلّق بالموضة متاحاً للجميع. كذلك، لم تعد الموضة تقتصر على العواصم العالميّة فقط، بل امتدت لتنتشر في كلّ أنحاء العالم. اعتبر موقع إنستقرام محرّكاً أساسيّاً لتسليط الضوء على الهوّة الموجودة بين الموضة المترفة والموضة السريعة أو Fast Fashion، وهو عاملٌ أساسيّ ساهم في تغيير المشهد. فكيف تبدّلت معالم الموضة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ؟ إلى أيّ مدى وصل دور المدوّنات؟ وماذا عن التسوّق الإلكترونيّ؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير حاولنا الإجابة عليها في هذا التحقيق.
سهّلت مواقع التواصل الاجتماعيّ عمليّة الاطّلاع على آخر مستجدّات الموضة من صيحات وأخبار، كما أصبحت سبيلاً أساسيّاً للتسوّق الإلكترونيّ وفتحت آفاقاً جديدة للمستقبل. قديماً، كانت الموضة حكراً على الطبقات النخبويّة التي كانت تملك القدرة الشرائيّة لاختيار ما تقدّمه الدور الكبرى من صيحات وتصاميم. كذلك، لم يكن من الممكن رؤية عروض أسابيع الموضة، إلّا بعد نشرها في المجلّات! أمّا اليوم، فأصبح من الممكن اكتشاف الصيحات بالتزامن مع ظهورها في أسابيع الموضة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل إنستقرام.
بعد ظهور موقع إنستقرام سنة 2010 والذي اختاره عالم الموضة كمنصّة أساسيّة له، انقلبت المقاييس رأساً على عقب وباتت الموضة مباحة لكلّ من يزور هذه المنصّة بالتحديد! شقّ عالم الموضة طريقه في عالم مواقع التواصل كإستراتيجيّة للتسويق تستهدف جيل الشباب، لأنّ موقع إنستقرام بدوره يتوجّه بشكلٍ أساسيّ إلى الجيل الجديد. تجدر الإشارة إلى أنّ إنستقرام يشهد كلّ يوم أكثر من 500 مليون ناشط، ويتمّ في اليوم الواحد تحميل حواليّ 95 مليون صورة، بحسب موقع Social Pilot. إلى جانب التصاميم المستنسخة عن منصّات الدور الكبرى، برزت في السنوات الأخيرة فئة جديدة من الأزياء المواكبة لمعايير الموضة الحاليّة بأسعارٍ معقولة تتناسب مع كلّ المستويات وبسرعة متزامنة مع فترة صدور الصيحات، عُرفت بالـFast Fashion مثل H&M، Zara وغيرها.
كما أصبحت عمليّة تصميم الأزياء أسرع مما كانت عليه في أيّ وقتٍ مضى، بسبب الثورة التي شهدها العالم الرقميّ. تهدف هذه الفئة إلى تأمين طلب المستهلك تيمّناً بما يظهر على مواقع إنستقرام، على السجّادة الحمراء وفي الشارع، بأسرع وقتٍ ممكن. لذا، قرّرت الدور الكبرى حجز مكانٍ لها على مواقع التواصل الاجتماعيّ وتحديداً موقع إنستقرام، لأنّه أصبح ركيزة أساسيّة لجذب العديد من روّاد الموضة. ازدادت شعبيّة هذه الدور وتضاعفت أعداد النساء اللّواتي يحلمن بامتلاك هذه التصاميم بسبب البروباغندا المقامة على هذه المواقع والصيحات التي باتت تؤثّر على شريحةٍ أكبر من النساء، كما ساعدت هذه الطريقة على إرضاء الجماهير القادرة على تحمّل تكلفة هذه المنتجات.
تلعب مدوّنات الموضة دوراً مؤثّراً على تطلّبات واحتياجات متابعيهم، إذْ بات هؤلاء يبذلن قصارى جهودهنّ للوصول إلى مبتغاهنْ. بدأت تظهر هذه الموجة بالتزامن مع ظهور موقع إنستقرام الذي سلّط عليهنّ الأضواء بشكل مباشر وتبدّلت المعادلة ليصبح موقعاً لجني الأموال! Chiara Ferragni هي واحدة من هؤلاء المدوّنات، بدأت مدوّنتها في العام 2009 وتحوّلت من هاوية إلى شخصيّة معروفة تملك دارها الخاصّة. عمدت الدور الكبرى إلى تسويق منتجاتها من خلال التركيز على مدوّنات يملكن القدرة للتأثير على سلوك الشاري. تتّصف هذه الخطة بإظهار المدوّنة وهي تعتمد تصاميم الدار على مواقع التواصل الاجتماعيّ مع ذكر أسماء الدور.
في معظم الأحيان، تنجح هذه الإستراتيجيّة بحصد عدد لا يستهان به من العملاء الجدد عبر الإنترنت. تحوّلت اليوم هذه الموجة إلى صيحة نالت اهتمام العديد من الشابّات اللّواتي قرّرن خوض غمار هذا النوع من الموجات الرائجة، ظنّاً منهنّ أنّها طريقة سهلة للوصول إلى القمّة وكسب المال.
كذلك، تعتبر الحملات الإعلانيّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ دافعاً أساسيّاَ للنجاح وللتأثير على المستهلك من خلال استقطاب وجوهٍ معروفة ومؤثّرة في الإعلانات، كما اختيرت بعض الملهمات للمشاركة في أحداث لها علاقة بالموضة، منها عرض Dolce & Gabbana لموسم خريف وشتاء 2018- 2017 الذي شاركت فيه 39 مدوّنة من مختلف أقطاب العالم، أبرزهنّ Lana El Sahely، Negin Mirsalehi، Aimee Song، وغيرهنْ. شهدنا مؤخّراً في عرض مجموعة الخياطة الراقية لدار Ralph & Russo لموسم ربيع وصيف 2018 مشاركة المدوّنة البرازيليّة Camila Coelho التي اختتمت العرض بفستان زفاف. كذلك، حملة Calvin Klein الإعلانيّة للملابس الداخليّة لموسم ربيع وصيف 2018 التي ضمّت نجمات تلفزيون الواقع Kardashian وJenner. هذه العروض والحملات تمكّنت من أن تكون حديث مواقع التواصل الاجتماعيّ، من دون أن ننسى التعاون الذي أقيم بين دورٍ ومشاهير، كتعاون Selena Gomez مع دار Coach، تعاون Gigi Hadid مع دار Stuart Weitzman لهدف خيريّ، بالإضافة إلى مشاركة مدوّنات من العالم العربيّ في حملةChopard لمجموعة Ice Cube.
اليوم، بات من السهل اختيار الصيحات التي تناسبكِ من خلال زيارة صفحاتكِ المفضّلة على موقع إنستقرام وشراء الأزياء التي تنال إعجابكِ من أيّ مكان في العالم بكبسة زرّ، واستلامها بعد فترةٍ وجيزة في البيت. تجدر الإشارة إلى أنّ جميع المواقع بدأت باتّباع هذه التقنيّة، لأنّها سهّلت عمليّة الشراء في زمنٍ بات للوقت قيمةٍ وأهميّة لا مثيل لها. من جهة أخرى، أصبح بالإمكان مشاهدة أسابيع الموضة مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، إنْ من خلال الصور، الفيديو، البثّ المباشر، وغيرها. هذا الأمر سرّع وتيرة الصناعة في عالم الموضة بسبب الملايين من المستهلكين المستعدّين لشراء التصاميم بأسرع وقتٍ ممكن. كذلك، لم تعد تنحصر الموضة بمنصّات العروض فقط، بل انتقلت أيضاً إلى الشوارع لتعرف بـStreet Style. بمجرّد التجوّل في الشارع بإمكانكِ اكتشاف أحدث الصيحات والأفكار المتعلّقة بالموضة.
قبل اجتياح مواقع التواصل الاجتماعيّ عالم الموضة، كان العديد من المستهلكين يكتفون بكميّة محدودة من الأزياء القابلة للاستثمار على مدى السنوات القادمة، لتتحوّل الموضة اليوم إلى هاجس يثير اهتمام الكثيرين. كانت المرأة تحمل حقيبة يد لمدّة 30 يوماً دون أن تشعر بأمرٍ غريب، أمّا اليوم، فتعمل وسائل التواصل الاجتماعيّ على تشجيع فكرة عدم اعتماد قطعة بشكلٍ متكرّر بسبب تقاسم الإطلالات مع المتابعين. لهذا السبب، استحال على الكثيرين شراء تصاميم ثمينة للاستخدام اليوميّ، ومن هنا، ظهرت فكرة اعتماد أزياء الـFast Fashion المواكبة للموضة بأسعارٍ مقبولة والتي كانت المدوّنات أولى من اعتمدتها. عمدت الدور الكبرى أيضاً إلى استخدام شخصيّات مؤثّرة من عالم الموضة كوسيلة لتسويق مجموعاتها الجديدة، إنْ من خلال إرسال الهدايا، أو حتى تأجير الأزياء لوقتٍ محدّد من دون أن يعرف متابيعهم. هذه الوسيلة، ساهمت في ربط صورة المدوّنات بالأزياء الفاخرة لتحسين صورتهنّ الاجتماعيّة ولتأكيد مستوى قدراتهنّ الشرائيّة. تعتبر فئة الـFast Fashion الأسرع اليوم للاستجابة إلى طلب الزبائن، بسبب كميّات الطلب الكبيرة، خاصّةً فور صدور صيحة جديدة. بات الأمر يشكّل تحدّياً لابتكار تصاميم جديدة غير مكرّرة وضمن فترة وجيزة. نعيش اليوم في زمنٍ ذي وتيرةٍ سريعة، تظهر وتختفي صيحة بين ليلةٍ وضحاها دون حسيبٍ أو رقيب. فماذا يخبّئ لنا الزمن القادم من مفاجآت؟ كذلك، يعتقد البعض أنّ الإسراع في اعتماد صيحة ما، تجعل من مرتديها شخصاً مميّزاً ومواكباً للزمن، فهل أضحت الموضة اليوم ساحة للتنافس بالإطلالة الأبهى وبالصورة التي تجمع أكبر عدد ممكن من الإعجاب؟
اقرئي أيضاً: تاريخ نقشة الخطوط: صيحة برزت في العصور القديمة وبقيت حتى اليوم
رحلة المخمل عبر التاريخ: من إطلالات الملكات إلى عالم الموضة فثم لوكات النجمات
